أكشاك جمال مبارك ومحاولة التوريث من أسفل !


كتب: خالد السرجاني بجريدة الدستور



إن كنت من هواة السير في شوارع وسط البلد، فسوف تفاجأ بظاهرة جديدة علي وسط البلد، أصبحت تنتشر كالنار في الهشيم، وهي أن يضع أصحاب الأكشاك صورة كبيرة وبارزة وموحدة للسيد جمال مبارك - وبالطبع من حق أي كائن أن يضع ما يشاء من الصور أو الملصقات مادامت لا تخدش الحياء العام، ولكن الذي يلفت الانتباه في هذه الظاهرة أن هذه الأكشاك وضع أصحابها الصور أعلي الكشك واحتلوا نصف الشارع وجزءاً كبيراً من الرصيف بالمخالفة للقانون، بما يوحي بأن صورة أمين سياسات الحزب الوطني أصبحت مسوغا للهروب من تطبيق القانون، وبما يعيدنا إلي التقليد الأضحوكة وهو أن يضع أصحاب المقاهي ملصقات الحزب الوطني من أجل أن يتفادوا رزالات رجال الحي ومديرية التموين وغيرها من الجهات الرسمية.والسؤال الذي لابد لنا من طرحه، هو هل وضع أصحاب الأكشاك صور أمين السياسات بمبادرة منهم، أم أن جهات رسمية طلبت منهم ذلك من أجل تهيئة الرأي العام لسيناريو التوريث، وهل هذا الطلب الرسمي كان مبادلة بينهم وبين السلطات المحلية بأن تتغاضي عن مخالفاتهم مقابل وضع الصورة الموحدة التي يبدو أنه جهزت كلها في مكان واحد، وهذا السؤال يجرنا إلي طرح سؤال آخر وهو هل تجرؤ محافظة القاهرة الآن علي البحث وراء هذه الأكشاك لمعرفة هل هي مرخصة أم لا، وهل تجاوز أصحابها المساحة المرخص لهم بإشغالها أم لا، وبالطبع سيتأكد رجال المحافظة من المخالفة التي يمكن اكتشافها بمجرد النظر لأنهم يحتلون نصف الشارع.وهناك سؤال آخر لابد من طرحه علي أمين سياسيات الوطني نفسه وهو هل تقبل علي نفسك أن تكون وسيلة للقفز علي تطبيق القانون، وهل يتم ذلك بعلمك أم من دون علمك، وأما وقد علمت فما هو موقفك من هذه التجاوزات ؟.ومهما كانت الإجابات علي الأسئلة المطروحة، فإن الأسلوب نفسه أي وضع صور أي من السياسيين علي واجهة المحلات والأكشاك هو أسلوب لا يحدث سوي في الدول الاستبدادية والشمولية فقط خاصة إن كان المسئول له صفة رسمية، أو ينتمي إلي الحزب الحاكم، أما الشعوب المقهورة فلها أيقوناتها المختلفة، وبالطبع فإن السيد جمال مبارك ليس جيفارا الذي أصبح أيقونة لشعوب العالم الثالث، بعد أن فارق الحياة، وليس لأنه يحتل منصبا رسميا، وبالطبع فان أمين سياسات الحزب الوطني يمكن أن يصبح أيقونة لكبار رجال الأعمال وهؤلاء لا يضعون صورا في محال عملهم، ومن الصعب أن يكون أيقونة الفقراء فأصبح أيقونة أصحاب الأكشاك المخالفين لشروط التنظيم !! وهو لا يملك كاريزما جيفارا حتي يضعه الفقراء في واجهة بيوتهم، وبالتالي لابد وأن يدرك أمين سياسات الوطني أنهم يضعون صورته للهروب من تطبيق القانون.إن ما يحدث في شوارع وسط البلد، لهو محاولة جديدة لفرض التوريث علي الشعب المصري، ولكن بأسلوب جديد يختلف عن المحاولة التقليدية السابقة. فهذه المحاولة كانت عبر فرض أمين السياسات علي الحزب الوطني بقرار فوقي وقع عليه والده بأن أصبح مسئولا حزبيا كبيرا لم يخضع للاختيار الجماهيري عبر الانتخابات الحزبية النزيهة والشفافة، وتم فرضه علي الشعب المصري عبر وسائل الأعلام الحكومية، من دون سند ولا سبب سياسي أو اعلامي، وهذا الأسلوب نستطيع أن نطلق عليه "التوريث من أعلي"، أي عبر قرارات علوية وفوقية تفرض علي الجماهير من قبل من لديهم سلطة اتخاذ القرار. شولكن يبدو أن ماكينة التخطيط للتوريث وجدت أن هذا الأسلوب ليس كافيا لأنه يحجب قطاعات شعبية عديدة عن تأييد الوريث، بما يعني أن تأييده سيكون مقصورا علي قطاعات محدودة العدد وإن كانت قوية التأثير وهم رجال الأعمال وكبار الاقتصاديين وقطاعات من البيروقراطية الحكومية في المستويات العليا من الإدارة، وبالطبع المستفيدون داخل الحزب الوطني. وبالتالي تفتق ذهن أعضاء هذه الماكينة عن ضرورة إضفاء طابع شعبي علي المخطط بأن تبدأ قطاعات شعبية في رفع لافتات التأييد، بحيث يبدو وكأن المجتمع من أسفله هو الذي يطالب بتصعيد الوريث وليس القطاعات العليا منه فقط. ولما كانت هناك فجوة كبري بين القطاعات الشعبية الحقيقية والسيد جمال مبارك الذي لا يخفي انحيازه للأغنياء علي حساب الفقراء والذي لم يتورع عن القول بأن سوء توزيع الثروة أفضل من توزيع البؤس، كان الحل العملي الذي توصلت إليه الماكينة هو أن يبايع من يريد شيئا من الحكومة الوريث، علي سبيل المبادلة، التأييد للوريث مقابل أن تغض الحكومة وأجهزتها الطرف عن مخالفاتهم للقانون، وهذا الأسلوب يطلق عليه مسمي الانحطاط السياسي، عندما تتجاهل السلطة تطبيق القانون لغرض ما في نفسها.وبالطبع قد يظهر لنا واحد من مريدي أمين سياسات الحزب الوطني ليقول أن ما نقوله ليس صحيحا وأن السيد جمال مبارك ليس مسئولا عن ذلك ولا يعرف أن الأكشاك تضع صورته، بل يقول إن ذلك يمثل تعبيرا عن شعبيته، وهذا الكلام مردود عليه بأن الشعبية شيء والمخالفة للقانون شيء آخر، وإن عدم معرفة أمين السياسات بالواقعة لا يعفيه من المسئولية لأن أجهزة الدولة تتواطأ مع من يضعون الصور أو قد تخشي أن تحاسبهم علي ما يفعلونه خوفا منه.والمشكلة في هذا الأمر أن ما يحدث في أكشاك وسط البلد يمكن أن يغري آخرين بتقليده ويمكن في المستقبل أن نري أماكن تطرح المخدرات علنا وتحصن نفسها بوضع صورة السيد جمال مبارك في واجهتها، ويمكن أن يمتد هذا الأمر إلي مخالفات أخري للقانون.والطامة الكبري التي يجسدها عدم علم السيد جمال مبارك بما يحدث باستخدام اسمه وصورته، أنه دليل علي غياب الدولة وعدم سيطرتها علي وسط البلد في العاصمة فما بالك بما قد يحدث في المحافظات النائية، فلا ندري إلي أي مدي وصلت محاولات التوريث من أسفل، ولا ندري هل ما يحدث في وسط القاهرة هو مرحلة تجريبية لخطط سيتم تعميمها بعد ذلك أم أن التطبيق بدا في جميع محافظات مصر، كخطوة مفاجئة حتي لا يستعد لها المعارضون لخطط التوريث. إن المحك الرئيسي الآن هو كيف ستتصرف الأجهزة التنفيذية في محافظة القاهرة إزاء هذه الظاهرة، فما نطلبه ليس إزالة الصور عن الأكشاك ولكن تطبيق القانون عليها من حيث شروط الترخيص والالتزام بالمساحة الممنوحة لهم، أما عن الصور ذاتها فموقفها لابد وأن يكون مع صاحبها نفسه الذي عليه أن يطلب ممن يضعونها أن يرفعوها لما تسببه له من إحراج.