نشرت صحيفة «جلوبال بوست» التى تصدر فى مدينة «نيويورك» الأمريكية هذا التحقيق المثير الأسبوع الماضى تحت عنوان «فى مصر مبارك يقترب من الـ81 والحديث عن التوريث يتزايد»، وكتب التحقيق مراسل الجريدة فى القاهرة «نيودور ماي». يقول التحقيق: عندما اندلع الصراع فى قطاع غزة الفلسطينى مؤخراً تسلط الضوء بشدة على مصر باعتبارها قوة إقليمية رئيسية دورها أساسى بالنسبة للعالم العربى وللغرب، ولكن صراع غزة أيضاً وبنفس القدر سلط الضوء على حقيقة أصبحت هى حديث الشارع المصري: الرئيس المصرى حسنى مبارك سوف يبلغ قريباً 81 عاماً ولا يبدو فى الأفق أى شخصية مرشحة يمكن أن تملأ الفراغ الذى يمكن أن يتركه فى حالة غيابه عن السلطة. فعلى نقيض سابقيه فى الحكم جمال عبدالناصر وأنور السادات قاوم حسنى مبارك جميع الضغوط التى وقعت عليه لتعيين نائب رئيس وهو ما يثير الكثير من الهواجس لدى المصريين، خاصة أن عبدالناصر والسادات لم يكن لديهما تحفظ على تعيين نائب رئيس جمهورية، ومبارك نفسه كان نائب السادات وأصبح رئيساً للجمهورية من بعده، وكذلك كان الحال مع السادات وكان هذا يعطى حالة من الأمان لدى المصريين بألا تكون هناك فوضى بعد أن يرحل أى رئيس. لقد أعيد انتخاب مبارك عام 2005 فى انتخابات شكلية تجرى لأول مرة بعد سلسلة من الاستفتاءات، وشاب الانتخابات نسبة حضور ضعيفة جداً، واليوم يدور حديث وجدل شديد حول نية مبارك: هل سيسعى لترشيح نفسه لفترة رئاسة سادسة فى عام 2011 عندما يحين وقت الانتخابات القادمة أم هل سيقوم قبل هذا التاريخ بتهيئة السلطة لنجله جمال مبارك الذى تصاعد دوره بسرعة وبشدة فى صفوف الحزب الحاكم بعد أن كان قانعاً فى السابق بالعمل فى عالم البيزنس والمال؟! ويقول عماد جاد، الباحث السياسى فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية «أعتقد أن جمال مبارك سوف يصبح الرئيس التالى خلفا لوالده لو حدث انتقال السلطة ومبارك على قيد الحياة، أما لو رحل مبارك قبل نقل السلطة لنجله فإن فرص جمال سوف تكون ضعيفة جداً». طبعا لو قام مبارك بتهيئة المناخ لكى يتولى نجله السلطة فى عهده فإنه سيظل من المتعين على جمال مبارك أن يواجه بعض العقبات، أولها: الحصول على ترشيح الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم له وهذا سيمكنه بكل تأكيد من الفوز بالانتخابات. وقد تم الإعداد منذ مدة طويلة لهذا الأمر بحيث يمكن لجمال مبارك أن يتجاوز هذه العقبة بسهولة. ففى عام 2002 تم تعيين جمال مبارك رئيسا لأمانة السياسات فى الحزب، وهو منصب مكنه من أن يمارس نفوذا هائلا على الحزب والحكومة على حد سواء. أما العقبة الثانية: التى تقف فى وجه توريث السلطة لجمال مبارك هو النفوذ الهائل للجيش المصري. فمنذ تأسيس الجمهورية فى عام 1953 جاء حكام مصر الأربعة من بين صفوف الجيش، أما جمال مبارك فلم يخدم فى الجيش على الإطلاق وهو ما دعا المحللين للاعتقاد بأن الجيش لن يسمح لجمال مبارك أو لغيره ممن هم خارج المؤسسة العسكرية من الصعود لكرسى السلطة. ويقول عماد جاد «من الصعب جدا مناقشة هذه النقطة لأنه لا يوجد أحد يعرف على وجه الحقيقة كيف يفكر الجيش أو ماذا يريد؟!. من ناحية أخرى لا يوجد أى نوع من النقاش داخل صفوف وأروقة الحزب الوطنى حول قضية الخلافة لسلطة مبارك، وهى قضية تبدو محرمة للنقاش داخل الحزب الحاكم خوفاً من الاتهام بعدم الولاء لمبارك، ولأن الرئيس يمسك بزمام من حديد على مقدرات الحزب. ويتجاهل الحزب وقياداته مناقشة قضية الخلافة فى السلطة، رغم القلق البالغ الذى ينتاب الشعب المصرى من هذه القضية، خاصة مع اندلاع توتر سواء داخل أو خارج البلاد مثل أزمة غزة الأخيرة. ومن العقبات الأخرى التى تواجه طريق جمال مبارك نحو السلطة وجود أسماء مرشحة لخلافة مبارك وتتمتع بالشعبية سواء داخل أروقة السلطة أو خارجها، وعلى رأس هؤلاء اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الذى يحظى بدعم من الجيش، لأنه ينتمى إليه يحسب لعمر سليمان أنه يحظى بالتقدير من مبارك وقد تصاعد دوره السياسى فى الآونة الأخيرة ما وضعه تحت دائرة الأضواء، خاصة بعد انخراطه فى عملية المفاوضات الهادفة للوصول إلى وقف إطلاق النار فى غزة، ثم عقد هدنة تهدئة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ثم مصالحة بين الفلسطينيين. فى أثناء الضغوط التى مارسها جورج بوش على مبارك فى عامى 2004 و2005 قام الأخير بعمل تعديل للمادة 67 من الدستور بحيث تجرى فى البلاد انتخابات رئاسية لأول مرة، ولكن تعديل المادة تعرض للتشويه وأصبح على أى مرشح خارج الحزب الحاكم الفوز فى هذه الانتخابات. ويقول عماد جاد «الأحزاب التى تمتلك مقاعد فى مجلس الشعب والمجالس المحلية هى التى يمكنها أن ترشح مرشحين عنها فى انتخابات الرئاسة، الهدف من ذلك كان منع التيارات غير الشرعية خاصة الإخوان المسلمين من الوصول للسلطة». وعندما رشح أيمن نور نفسه فى الانتخابات عام 2005 لم يحقق نسبة كبيرة، ولكن تم اعتقاله بتهم التزوير وكانت محاولة رآها البعض تهدف من مبارك لتحجيم المعارضة. وقد قام مبارك بالإفراج عن أيمن نور مؤخرا ولا يعرف بالتحديد هل سيسمح له بالترشح فى الانتخابات القادمة عام 2011 أم لا؟! ولو حدث فسوف يشكل عقبة جديدة لمشروع التوريث. من ناحية أخرى لا يتوقع الكثيرون أن يكون للإخوان المسلمين فرصة جادة للترشح فى انتخابات 2011، ولكن مازال الكثيرون أيضا فى المؤسسة السياسية يخشون من أى تزايد فى نفوذها وشعبيتها، ولهذا السبب كان النظام حذرا جدا أثناء الصراع فى غزة حيث تنتمى حركة حماس الفلسطينية المسيطرة على القطاع إلى فكر الإخوان المسلمين، وكانت هناك خشية من أن يكون هناك تنسيق بين الحركتين لصالح زعزعة السلطة فى مصر. ويقول عماد جاد «دعنا ننتظر حتى إجراء الانتخابات البرلمانية فى 2010لكى نرى أى أحزاب ستتمكن من الحصول على عدد مناسب من المقاعد يمكنها من خوض انتخابات الرئاسة فى 2011 ،وحتى يحين هذا الوقت قد تشهد البلاد أحداثا جسيمة تغير مجراها السياسي».