جمال مبارك يلغي زيارته للنوبة بعد إشهار أول جمعية لمقاومة التوريث
ماذا يحمى الأقباط
الإخوان المسلمين قد بولغ عمدا فى دورهم وتأثيرهم من قبل النظام، بغرض استعمالهم كفزاعة ضد كل من يطالب بالديمقراطية.. والحقيقة الأهم.. أن الاستبداد لن يحمى أحدا من التطرف الدينى.. لأن التطرف الدينى هو أحد أعراض الاستبداد.. ونذكر هنا أن الإخوان، فى ذروة قوتهم، فشلوا فى الحصول على مقعد واحد فى برلمان 1950 أثناء الانتخابات النزيهة الأخيرة قبل الثورة.. فقد اكتسح الوفد آنذاك وفاز بالأغلبية كالعادة..بل إن فوز الإخوان فى أى انتخابات خلال السنوات الأخيرة.. لم يحدث بفضل شعبيتهم وإنما بسبب انصراف الناس عن الانتخابات.. ولو أقبل الناس على الاشتراك فى الانتخابات لما فاز الإخوان بالأغلبية أبدا... ولا يمكن أن يشترك الناس فى الانتخابات إلا إذا أحسوا بأنها نزيهة وعادلة. فالانتخابات النظيفة، على عكس مخاوف البابا، هى التى ستبعد خطر التطرف الدينى وليس العكس.
ماذا يحمى الأقباط
مقال د.علاء الأسوانى
على مدى سنوات كنت أعمل فى نفس العيادة مع طبيب قبطى وسرعان ما نشأت بيننا صداقة.. كان إنسانا طيبا أمينا فى عمله وتعامله مع الناس.. لكنه شأن مصريين كثيرين، كان منقطعا تماما عن الشأن العام ولا يعرف معظم الأحداث السياسية، كان العالم بالنسبة إليه ينحصر فى عمله وأسرته.. ثم جاءت انتخابات الرئاسة الأخيرة ففوجئت به يتغيب عن العمل ولما استفسرت منه، قال إنه ذهب يدلى بصوته لصالح الرئيس مبارك.. استغربت الأمر وسألته:
ما الذى دفعك إلى الإدلاء بصوتك وأنت تعلم أن هذه الانتخابات مزورة مثل غيرها..؟ صمت قليلا ثم أجابنى بصراحته المعتادة:
الحقيقة هم طلبوا منا فى الكنيسة نروح ننتخب الرئيس وجهزوا أتوبيسات أخذتنا ورجعتنا..
تذكرت هذه القصة وأنا أطالع تصريحات البابا شنودة الثالث الأخيرة، فقد قام سيادته مرتين خلال أسبوع واحد، بإعلان تأييده القاطع لجمال مبارك باعتباره الرئيس المقبل لمصر.. وهكذا، أصبح من الواضح أن الكنيسة المصرية تبارك توريث بلادنا من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال.. وهذه ظاهرة فريدة من نوعها فى تاريخ مصر.. تستحق أن نناقشها:
أولا: البابا شنودة الثالث يمثل سلطة روحية وليست سياسية.. فهو الرئيس الروحى للأقباط وليس زعيمهم السياسى..
وبالتالى فإنه مع احترامى الكامل يتجاوز سلطته عندما يتحدث باسم الأقباط سياسيا.. وإذا كنا نناضل من أجل إقامة الدولة المدنية فى مصر، حيث يتمتع المواطن بحقوقه كاملة بغض النظر عن دينه. فإن ذلك يستلزم فصل الدين عن السياسة. وهو عكس ما فعله البابا شنودة تماما. فهو استعمل صفته الدينية ليفرض على الأقباط موقفه السياسى.. وهو بذلك يصادر حقهم فى التعبير عن آرائهم السياسية التى قد لا تتفق بالضرورة مع رأيه.
ثانيا: النظام الحالى فى مصر لم ينتخبه أحد ولم يختره المصريون بمحض إرادتهم، لكنه يقبض على السلطة عن طريق القمع والاعتقالات وتزوير الانتخابات، وقد أدى بسياساته الفاشلة الفاسدة إلى وقوع ملايين المصريين فى قبضة البؤس.
ولا شك عندى أن البابا شنودة، مثل كل المصريين، يعرف هذه الحقائق.. وأنا هنا أسأل سيادته.. هل يتفق مع تعاليم المسيح أن تقف مع نظام سياسى فاسد وظالم ضد إرادة الناس وحقهم فى اختيار من يحكمهم؟ هل يتفق مع المسيح أن تتجاهل معاناة الملايين من ضحايا هذا النظام سواء الذين قتلهم الإهمال والفساد أو الذين يعيشون فى ظروف غير آدمية..؟ هل يتفق مع المسيح أن توافق على توريث البلد كلها من الأب إلى ابنه وكأن المصريين حيوانات أو دواجن؟!.. سيادة البابا يقول إنه لا يؤيد التوريث لكنه يتنبأ بفوز جمال مبارك فى الانتخابات.. ونحن نقول للبابا: أنت تعلم جيدا أن الانتخابات كلها مزورة. فلماذا أخفيت هذه الحقيقة فى كلامك؟.. وهل يتفق إخفاء الحقائق مع تعاليم المسيح؟
ثالثا: يقال إن البابا شنودة يؤيد التوريث والاستبداد لأنه يخشى على الأقباط من الديمقراطية التى من شأنها أن تأتى بالإخوان المسلمين إلى الحكم.. والحقيقة أن الإخوان المسلمين قد بولغ عمدا فى دورهم وتأثيرهم من قبل النظام، بغرض استعمالهم كفزاعة ضد كل من يطالب بالديمقراطية.. والحقيقة الأهم.. أن الاستبداد لن يحمى أحدا من التطرف الدينى.. لأن التطرف الدينى هو أحد أعراض الاستبداد.. ونذكر هنا أن الإخوان، فى ذروة قوتهم، فشلوا فى الحصول على مقعد واحد فى برلمان 1950 أثناء الانتخابات النزيهة الأخيرة قبل الثورة.. فقد اكتسح الوفد آنذاك وفاز بالأغلبية كالعادة..بل إن فوز الإخوان فى أى انتخابات خلال السنوات الأخيرة.. لم يحدث بفضل شعبيتهم وإنما بسبب انصراف الناس عن الانتخابات.. ولو أقبل الناس على الاشتراك فى الانتخابات لما فاز الإخوان بالأغلبية أبدا... ولا يمكن أن يشترك الناس فى الانتخابات إلا إذا أحسوا بأنها نزيهة وعادلة. فالانتخابات النظيفة، على عكس مخاوف البابا، هى التى ستبعد خطر التطرف الدينى وليس العكس.
رابعا: الأقباط مضطهدون فى مصر.. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. لكن المسلمين أيضا مضطهدون.. كل المظالم التى يشكو منها الأقباط صحيحة لكنهم لو نظروا حولهم سيكتشفون أن هذه المظالم تقع بالمثل على المسلمين. معظم المصريين محرومون من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والمعاملة الآدمية وحقوق الإنسان. المصريون لا يتولون مناصب الدولة إلا إذا كانوا من أتباع النظام الحاكم.. هناك طريقتان لرفع الظلم عن الأقباط.. إما أن ينخرطوا كمصريين فى حركة وطنية تسعى إلى تحقيق العدل للمصريين جميعا.. وإما أن يتعاملوا مع النظام باعتبارهم أقلية تطلب امتيازات طائفية.. وهذا الاختيار الأخير خاطئ وبالغ الخطورة.. إن موقف البابا شنودة الأخير، للأسف، يرسل إلى النظام رسالة مفادها أن الأقباط يؤيدون الاستبداد والتوريث مقابل تحقيق مطالبهم.. وكأن البابا يقول للرئيس مبارك: «اعطنا نحن الأقباط الامتيازات التى نطلبها.. ثم افعل ببقية المصريين ما تشاء.. فإن أمرهم لا يعنينا».
خامسا: هذا الموقف المؤسف من البابا شنودة يناقض تاريخ الكنيسة التى يمثلها، إن تاريخ الأقباط الوطنى مفخرة حقيقية لكل مصرى. فعلى مقعد البابا شنودة جلس ذات يوم رجل عظيم هو البابا كيرلس الخامس.. الذى ساند بكل قوته الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزى. لقد اشترك هذا البابا الوطنى بنفسه فى الثورة العرابية وثورة 1919.. وأثناء نفى الزعيم سعد زغلول.. قاطع المصريون جميعا لجنة ملنر التى أرسلها الإنجليز للالتفاف حول مطالب الثورة.. ومن أجل إشعال الفتنة الطائفية عين الاحتلال الإنجليزى يوسف وهبة باشا القبطى رئيسا للوزراء بدلا من سعد زغلول.. فما كان من الكنيسة الوطنية آنذاك إلا أن عقدت اجتماعا وأصدرت بيانا تبرأت فيه من موقف يوسف وهبة، وأكدت أنه لا يمثل إلا نفسه بينما الأقباط مثل المصريين جميعا يقفون مع الثورة وزعيمها.. بل إن طالبا قبطيا، من أسرة ثرية، هو عريان يوسف سعد قام بإلقاء قنبلة على موكب رئيس الوزراء يوسف وهبة.. ليعبر عن احتجاج الأمة على خيانته.. لقد صدرت مذكرات عريان يوسف مؤخرا عن دار الشروق.. أتمنى أن يجد البابا شنودة وقتا لقراءتها حتى يفخر، كما نفخر جميعا بوطنية الأقباط.. لقد ذهل يوسف وهبة باشا عندما اكتشف أن الذى اعتدى على موكبه قبطى مثله.. وسأله:
لماذا فعلت ذلك يا شاطر؟
فأجابه عريان بلا تردد:
لأنك خالفت إجماع الأمة يا باشا
تحول عريان يوسف بين يوم وليلة إلى بطل قومى لمصر كلها.. وأثناء القبض عليه واحتجازه على ذمة التحقيق كان الضباط والجنود جميعا يلقبونه بالبطل.. بل إن النائب العام نفسه بعد أن انتهى من التحقيق مع عريان يوسف بتهمة إلقاء قنبلة على موكب رئيس الوزراء.. قام من خلف مكتبه ثم صافحه واحتضنه قائلا:
ربنا يحميك يا بنى..أنت وطنى تحب مصر.
هذه الروح المصرية التى يجب أن نستعيدها اليوم، حتى نحقق لمصر ما نريده لها وما تستحقه منا.. أتمنى أن يدرك سيادة البابا شنودة إن حماية الأقباط لا يمكن أن تتحقق بتحويلهم إلى طائفة منفصلة عن المصريين، تتواطأ مع النظام الاستبدادى الذى يقمع الناس ويظلمهم.. إن هذا التفكير غريب تماما عن تاريخ الأقباط الوطنى.. ماذا يحمى الأقباط إذن..؟ إن حماية الأقباط سوف تتحقق عندما يعتبرون أنفسهم مصريين قبل أن يكونوا مسيحيين.. عندما يدركون أن واجبهم كمصريين أن يخوضوا المعركة من أجل إقامة دولة عادلة تعامل أبناءها جميعا على قدم المساواة، بغض النظر عن الدين الذى يؤمنون به.. لن يحمى الأقباط إلا العدل. لا يمكن أن يطالبوا بالعدل لأنفسهم دون الآخرين ولا يمكن أن يحصلوا عليه وحدهم على حساب المسلمين... العدل يجب يتحقق للجميع... والعدل لا يتحقق إلا بالديمقراطية
الديمقراطية هي الحل
ضياء رشوان يكتب: مستقبل الرئاسة ونظام الحكم: «المقايضة» التاريخية هي الحل
الأمر يتعلق بوضع «مفروض» علي المجتمع المصري كله وفي مقدمته قواه السياسية ونخبه قد يحل في أي لحظة، وليس بأوضاع يتسع الوقت لهذه القوي لصياغتها والاختيار فيما بينها وفقاً لأيديولوجياتها وأطرها النظرية. .
المعارضة المصرية مطالبة اليوم بأن تحسم أمرها وتعلن في وثيقة مشتركة رفضها الاحتمال الأول والأخطر لمستقبل منصب الرئاسة وهو توريثه بأي صورة من الصور لنجل الرئيس السيد جمال مبارك.
الدعوة اليوم إلي «مقايضة» تاريخية جماعية بين المعارضة والرئيس القادم، إنما تهدف إلي حماية صفوف الأولي من الاختراقات المعتادة التي يقوم بها كل نظام سياسي ورئيس جديد بداخلها، حيث يستميل أطرافاً منها لإجراء «مقايضة» فردية معها علي حساب الباقين الذين يتحولون إلي ضحايا له، وما جري في بداية وأثناء عهود الرؤساء الثلاثة لمصر ليس ببعيد عن أصحاب الذاكرة القوية.
كتب: ضياء رشوان بجريدة المصري اليوم بتاريخ27.9.2008
عندما طرحنا في مقالات عديدة سابقة في «المصري اليوم» بعضاً من التساؤلات والتصورات حول مستقبل الحكم في مصر، لم يكن القصد منها مجرد إثارة نقاش نظري حول أفضل الإجابات أو أكثر التصورات مثالية، بقدر ما كان هو السعي لبلورة «استراتيجيات» واقعية للتعامل مع تلك القضية، بكل ما لها من أبعاد خطيرة وعاجلة في نفس الوقت.
لم يكن القصد من الأسئلة الملحة التي ذكرناها والإجابات المتواضعة التي قدمناها لها تفضيل لاحتمال نظري عن آخر فيما يخص مستقبل منصب الرئاسة، بقدر ما كان هو الانحياز لواحد من البدائل «الواقعية» المطروحة واقتراح ما يمكن أن يجعل منه أفضلها.
وفوق ذلك وقبله، فالإلحاح من جانبنا علي ضرورة الإسراع من جانب قوي المعارضة المصرية بحسم موقفها ووضع استراتيجيتها لمواجهة الاحتمالات القليلة المطروحة لمستقبل منصب الرئاسة إنما كان - ولا يزال - قائماً علي حقيقة أن هذه القضية يمكن أن تطرح بحد أقصي، بعد سنوات ثلاث، بعد أن تنتهي الولاية الخامسة للرئيس مبارك أو أن تطرح في خلال ساعات قليلة إذا شاء الله سبحانه غير ذلك.
أي أننا نتحدث عن قضية عاجلة لا تحتمل التأجيل لحسم الموقف منها، وهي هذه المرة تطرح بطريقة مختلفة لم تعرف لها مصر مثيلاً منذ تغيير نظامها إلي الجمهوري، قبل أكثر من نصف القرن.
هذه المرة لدينا احتمال حقيقي وقوي لتحويل الجمهورية التي ضحي آلاف المصريين من أجل قيامها وترسيخ مبادئ المساواة بين المواطنين التي قامت عليها، إلي رئاسة وراثية يتولاها نجل الرئيس السيد جمال مبارك بدعم هائل من قوي جديدة وذات تأثير هائل في واقع البلاد.
وهذا الاحتمال لم يواجه مصر الجمهورية في أي مرة من المرتين اللتين خلا فيهما منصب الرئاسة، ولذلك فهو يستحق هذه المرة طريقة مختلفة في مواجهته ليس فقط، نظراً لخطورته وجديته ولكن أيضاً نظراً لجدته.
ما نتصور ضرورة حدوثه من جانب مختلف قوي المعارضة المصرية، ليس أن تعد برنامجاً أو تصوراً لبناء نظام سياسي جديد كامل لمصر، فهذه مهمة طويلة الأمد تحتاج إلي مقومات وعناصر كثيرة معقدة، ولكن أن تكون جاهزة لمواجهة ذلك الموقف المحوري الحاسم، الذي سيترتب علي خلو منصب الرئاسة في أي لحظة قادمة، وبحد أقصي ثلاث سنوات.
أي أن الأمر يتعلق بوضع «مفروض» علي المجتمع المصري كله وفي مقدمته قواه السياسية ونخبه قد يحل في أي لحظة، وليس بأوضاع يتسع الوقت لهذه القوي لصياغتها والاختيار فيما بينها وفقاً لأيديولوجياتها وأطرها النظرية. وليس فقط الأكثر أهمية في هذا الوضع هو إلحاحه وعجالته، بل أيضاً الأهمية المركزية، التي يحتلها منصب رئيس الجمهورية في تشكيل النظام السياسي المصري وتحويل اتجاهاته في الوجهة التي يريد.
ولعلنا لسنا بحاجة هنا للخوض في نقاش نظري قديم وطويل حول طبيعة الدولة المصرية ولا دور الفرد في التاريخ، يكفي فقط أن ننعش ذاكرتنا القريبة لنري كيف تشكل هذا النظام وتحولت وجهته مع تولي الرئيس جمال عبد الناصر منصب الرئاسة بالصورة التي نعلمها جميعاً، ثم كيف أعيد تشكيله وتحولت وجهته إلي الناحية المعاكسة مع قدوم الرئيس السادات إلي نفس المنصب.
ثم كيف استطاع أخيراً الرئيس مبارك أن يعيد تشكيله للمرة الثالثة في نحو نصف القرن ويتجه به إلي الطريق الذي لم يسبقه إليه أحد من سلفيه. إذن، اشتراك المعارضة المصرية في اختيار الرئيس القادم ليس مجرد تحرك تكتيكي بل إنه يمكن أن يمثل مدخلاً عملياً وضرورياً للتحرك الجدي نحو صياغة برنامج أوسع لإصلاح وإعادة بناء النظام السياسي المصري كله.
السؤال المطروح ليس معقداً ولا يحتمل كل التأويلات النظرية التي أعطاها البعض للإجابة التي حاولنا تقديمها له: لدينا اليوم احتمالات ثلاثة لا رابع لها لمستقبل منصب الرئاسة، لا مفر من التعامل معها ووضع الاستراتيجيات الملائمة لمواجهة كل منها، بما ينقل هذا الوطن الذي يئن من الألم، وشعبه الذي سحقته المعاناة خطوة، ولو كانت قصيرة إلي الأمام.
والهدف الحقيقي من الدعوة إلي وضع استراتيجية مشتركة بين قوي المعارضة لمواجهة هذه الاحتمالات إنما هو تحويلها من «متفرج» دائم علي التحولات الرئيسية التي تشهدها البلاد إلي شريك - ولو بنسبة غير كبيرة - في صياغة مستقبل نظام الحكم وفاعل مباشر - ولو غير رئيسي - في هذه الصياغة إلي جانب الفاعلين الرئيسيين التقليديين اللذين انفردا دوماً بتحديد مستقبل منصب الرئاسة، بما يعنيه هذا من انفرادهم بعد ذلك بإعادة تشكيل النظام السياسي وتحديد وجهته الجديدة استناداً إلي الرئيس القادم والصلاحيات الهائلة التي يمتلكها في الدولة المصرية تقليدياً.
ومن شأن هذه المشاركة المباشرة والفعالة لقوي المعارضة في الانحياز لأحد تلك الاحتمالات الثلاثة أن تجعل منها الطرف الذي قد يرجحه، نظراً لما تمثله من توجهات الرأي العام المصري الصامت، والذي تستوجب أمانة تمثيلها له أن تبادر للمشاركة في «عملية» اختيار الرئيس القادم وألا تتركها ومعها مصير البلاد والعباد في يد الأطراف الأخري التي تتآمر بليل للاستيلاء علي الرئاسة وتحويلها إلي ميراث لنجل الرئيس.
بصورة أكثر وضوحاً، المعارضة المصرية مطالبة اليوم بأن تحسم أمرها وتعلن في وثيقة مشتركة رفضها الاحتمال الأول والأخطر لمستقبل منصب الرئاسة وهو توريثه بأي صورة من الصور لنجل الرئيس السيد جمال مبارك.
والإعلان عن هذا الموقف بصورة جماعية لن يكون سوي إعادة صياغة مشتركة للمواقف الفردية التي سبق لجميع تلك القوي المعارضة أن أعلنتها برفض التوريث، إلا أن مردود وآثار هذا الموقف الجماعي ستكون أكبر بكثير من كل تلك المواقف الفردية وستدفع بالمعارضة بصورة مباشرة لكي تكون شريكاً مباشراً في عملية اختيار الرئيس القادم، بما تمثله من توجهات الرأي العام بما سوف يضع قيوداً حقيقية علي احتمال التوريث.
ويبقي بعد ذلك الاحتمالان الآخران، أن يرشح الحزب الوطني أحد قياداته العليا رئيساً للبلاد أو أن يدعم تقديم أحد قيادات المؤسسة العسكرية كمرشح مستقل، وهما موضوع الاقتراحات التي سبق وطرحناها في شأن مستقبل منصب الرئاسة.
إن الطريق الواضح - في نظرنا علي الأقل - للتعامل مع هذين الاحتمالين، والثاني هو الأقوي كما نظن، هو أن تبادر قوي المعارضة بالقيام بعملية «مقايضة» تاريخية مع كلا الاحتمالين، وتقوم بطرح تفاصيلها منذ الآن ودون انتظار لخلو منصب الرئاسة، حتي تكون طرفاً في عملية الانتقال عندما يحين أوانها.
وتقوم هذه المقايضة المقترحة من جانب المعارضة علي النقاط الأساسية، التي جاءت في برنامجها المشترك الذي أعلنته في أكتوبر ٢٠٠٥ باسم «الجبهة الوطنية للتغيير»، التي ضمت جميع الأطياف السياسية في البلاد، باعتبارها «المقابل»، الذي لن ترضي بغيره لمنح تأييدها للرئيس القادم وإسباغ «الشرعية» الشعبية عليه وعلي نظامه الجديد.
ولا شك أن لا شيء يضمن موافقة الطرف الآخر علي دفع ذلك المقابل كاملاً، وكما طرحه برنامج الجبهة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفاوض جاد حول ما يمكن قبوله من جانب الرئيس القادم وما يجب الإصرار عليه من جانب المعارضة.
أما إذا حدث احتمال رفض كل ذلك البرنامج من جانب الرئيس القادم، وهو احتمال غير بعيد، فتكون قوي المعارضة قد قطعت بذلك شوطاً مهماً في طريق توحيد صفوفها، لمواجهة ذلك التحول المركزي في النظام السياسي، وتكون أيضاً قد هيأت نفسها لخوض شوط أطول وأصعب في مواجهة جادة لما هو قادم علي أساس برنامج واحد.
وقبل كل ذلك وأكثر أهمية منه، فإن الدعوة اليوم إلي «مقايضة» تاريخية جماعية بين المعارضة والرئيس القادم، إنما تهدف إلي حماية صفوف الأولي من الاختراقات المعتادة التي يقوم بها كل نظام سياسي ورئيس جديد بداخلها، حيث يستميل أطرافاً منها لإجراء «مقايضة» فردية معها علي حساب الباقين الذين يتحولون إلي ضحايا له، وما جري في بداية وأثناء عهود الرؤساء الثلاثة لمصر ليس ببعيد عن أصحاب الذاكرة القوية.